مدينة "روابي": حلم فلسطيني يحاكي الاستيطان الإسرائيلي ويقاومه؟
آلمة "روابي" الموحية بالهدوء والطمأنينة في آنف الطبيعة، في حال استعمالها مستقلةً
منفردةً من دون إضافة ولا صفة، تستعملها شرآة "بيتي للاستثمار العقاري" المتعددة الجنسية، على نحو مزدوج: إسم لإنشاء "أول مدينة فلسطينية مخططة" وحديثة في الضفة
.الغربية، واسم لموقع على الأنترنت يقدّم معلومات عن المشروع العمراني
زائر الموقع على الشبكة الالكترونية يطالعه شريط فيديو دعائي تسويقي للمدينة التي شرعت
شرآة "بيتي" في إنشائها. تعود فكرة المشروع إلى العام 2008 ،حينما عُقد "مؤتمر
الاستثمار الفلسطيني". وفي دراسة نشرتها المعمارية الفلسطينية لين جبري في "مجلة
الدراسات الفلسطينية" (العدد 9 ،ربيع 2012 ،(يرد ان السلطة الفلسطينية عملت منذ العام
2011" على تشجيع مشروعات في الضفة الغربية ودعمها على طريق بناء دولة – أمة
فلسطينية، بينها مشروع مدينة روابي" الذي تموّله الحكومة القطرية، ويقوم "على رابية بين
مدينتي رام االله ونابلس". رئيس شرآة "بيتي"، منفذة المشروع، بشار المصري، يعتبر أن
"الحياة" في "روابي" ستكون "مشابهة للحياة في الولايات المتحدة" الأميرآية، مشيراً إلى
."ضرورة "أن يُنظَر إلى المشروع آجزء من بناء الدولة الفلسطينية
لا يزال المشروع قيد الإنشاء. في الشريط الدعائي على موقع "روابي" الإلكتروني، يجري
التسويق له بوصفه يلبّي "متطلبات الطبقة الوسطى (الفلسطينية) التي تتطلع إلى سكن تقدر
." على شرائه: آلفة الوحدة السكنية ما بين 65 ألف دولار ومئة ألف
الإقامة في "روابي" تروق لفئة من "القوة العاملة الفلسطينية العاطلة عن العمل، لكن
المتعلمة"، أي الجديدة أو الحديثة، من أصحاب المهن الحرة. يستوعب المشروع 40 ألف
ساآن، ويوفر نحو 5 آلاف فرصة عمل ثابتة. تلقى موقع "روابي" الالكتروني "ما يزيد على
7 آلاف طلب لشراء شقة سكنية" في المشروع الذي يصوّره شريط الفيديو التسويقي على أنه
"مدينة أحلام" الطبقة الوسطى الفلسطينية: "اسر سعيدة"، على ما يرد في العبارات المرافقة
لمشاهد الشريط، فيتخيل المُشاهِدُ - حسبما تلاحظ لين جبري في الدراسة المشار اليها اعلاه
– عائلات "ليس لدى الواحدة منها أآثر من طفلين، واشخاصاً يستمتعون بوقتهم في مقهى،
أو يتمشون في بقعة خضراء خالية من السيارات". من الكلمات والعبارات الواردة في
الشريط أيضاً لوصف نمط العيش في "روابي": "حديث"، "نابض بالحياة"، "صديق للبيئة"،
"مدارس عصرية"، "مرافق صحية"، "مصارف"، وصولاً إلى "تحديث المشهد الطبيعي
الفلسطيني". في وصف الشقق السكنية من الداخل، يرد أنها "تحترم الحاجات الثقافية والتي
."يولّدها"، "الإضاءة طبيعية والتهوئة ملائمة في جميع الغرف
هذا التوسع في عرض مواصفات المشروع الدعائية، غايته هنا إظهار نمط جديد ولغة جديدة
واستراتيجيات جديدة في التعبير عن "الأحلام الفلسطينية" التي آانت تنصبّ وتنحصر في
إيديولوجيا "المقاومة والتحرير". للمرة الأولى يُخاطب الفلسطيني، صورياً ودعائياً على
الأقل، بوصفه إنساناً عادياً يحتاج إلى سكن لائق تتوافر فيه مرافق الخدمات البيئية والطبية
والتعليمية والترفيهية. وإذا آان مشروع "روابي" يتناسى الاحتلال والاستيطان الإسرائيليين
اللذين لا يزالان يحوّلان حياة الفلسطينيين جحيماً، ويقوّضان مسار "اتفاق أوسلو" القائم على
"مشروع الدولتين"- الحلم البعيد المنال، إن لم تجعله السياسة الاسرائيلية الإستيطانية
الإستعمارية مستحيل التحقق، أفلا يحق للفلسطيني أن يحلم أو يتخيل نفسه آائناً بشرياً عادياً،
!أي مدنياً؟ لين جبري في دراستها التفصيلية القيِّمة للمشررع، تنحو الى اعتبار "روابي" نمطاً فلسطينياً
"يحاآي المستعمرات الاسرائيلية في الضفة الغربية"، والمتكاثرة آالفطر منذ العام 1967،
للسيطرة على الأراضي الفلسطينية وتحويلها معازل منفصلة يبلغ عددها نحو 200 معزل.
وجه المحاآاة هذه، يظهر في تساؤل جبري الآتي: أليست "روابي" صورة معكوسة
للمستعمرة الاسرائيلية "عطريت" القائمة على الرابية المقابلة؟ الصورة المعكوسة هذه تنطوي
على مقاومة رمزية للاستعمار الاستيطاني الاسرائيلي: رفض زبائن "روابي" أن تعلو مباني
مشروعهم "الاستيطاني" الفلسطيني الجديد والمحدث، سقوف من القرميد شبيهة بسقوف
مباني المستعمرات الاسرائيلية. وحين تبرع "الصندوق القومي اليهودي" بـ 3 آلاف شجرة
لمدينة "روابي"، تعرضت شرآة "بيتي" منشئة المشروع الفلسطيني لحملة حادة من
الانتقادات، لأنها قبلت التبرع، فاقتلعت الأشجار التي تبرع بها "الصندوق اليهودي"،
.وغرست مكانها مزيداً من أشجار الزيتون البلدي
هذا يعني أن فكرة المحاآاة تنطوي على فكرة المقاومة، وإن آانت رمزية وتحاآي مقاومة
التطبيع الثقافي. وذلك لتوآيد "البقاء على قيد الحياة، والحضور إزاء الآخر"، على ما تكتب
جبري متسائلة إن آانت "روابي مدينة مقاومة؟"، ملاحِظةً أنها تبرز شيئاً من "الفخار
الوطني" الفلسطيني الذي يعبّر عنه رفع الأعلام الفلسطينية على سياجات المشروع، في
مقابل مستعمرة "عطريت" الإسرائيلية، لتوحي الأعلام الفلسطينية بأن المشروع يستعيد
.الرابية ويؤآد الحضور الفلسطيني عليها
المقاومة الرمزية هذه، لا تلغي آون "روابي" جزيرة وسط أرخبيل المناطق التي تفرض
عليها اسرائيل سيطرتها العسكرية. لكن جبري تغالي مغالاة نظرية "يسارية" حادة في
استنتاجها الاخير: تبذل السلطة الفلسطينية الجهد في بناء جزيرة تسيطر عليها إسرائيل
عسكرياً. والسلطة في هذا تحولت عن خطاب "الكفاح المسلح لتحرير فلسطين" لصالح
"علاقات تبادل استعمارية تعزز سلطتها وتضمن امتيازات البورجوازية الوطنية
."والمستثمرين الدوليين"، في إنشاء "مدينة نيوليبيرالية
هنا لا بد من ملاحظة هذا الهرب من الواقع المرير والتاريخ الأمرّ، لصالح التعلق بالكلمات
والشعارات في استنتاج لين جبري هذا الذي يتناسى مآسي الكفاح المسلح الفلسطيني في بعثه
حربين أهليتين في الأردن ولبنان، من دون أن يفضي ذلك الكفاح إلا إلى "سلام أوسلو"
الموقوف إسرائيلياً، بالرغم من محاولة السلطة الفلسطينية بعث الكفاح المسلح في "انتفاضة
الأقصى" التي مهدت الطريق لإحتلال ما حررته اتفاقات أوسلو، وقوّضت إرادة السلام لدى
فئات واسعة في المجتمع الاسرائيلي. أما مقاومة "حماس" المدمرة في غزة، فلم تتخل عن
أحضان جزار سوريا الدموي، إلا لترتمي في أحضان "الإخوان المسلمين" في مصر، قبل
"مأساة" إقتلاعهم من السلطة، لتحلم، ربما، بعودتها إلى الأحضان الإيرانية التي تستمر
دولتها الاسلامية في استعمال "حماس" و"حزب االله" بيدقين في مشاريعها الاستعمارية
.الإقليمية، باسم مقاومة اسرائيل وأميرآا